تجميد الأجنة: جسر الأمل نحو الأبوة والأمومة

 

---

يُعد تجميد الأجنة (Embryo Freezing)، والمعروف علميًا باسم الحفظ بالتبريد للأجنة (Embryo Cryopreservation)، تقنية محورية في مجال التلقيح الصناعي (IVF) والطب التناسلي بشكل عام. لقد غيّر هذا الإجراء مفهوم الإنجاب، مانحًا الأزواج مرونة وأملًا أكبر في تحقيق حلم الأبوة والأمومة، حتى بعد دورة التلقيح الصناعي الأولية.

ما هو تجميد الأجنة؟

تجميد الأجنة هو عملية حفظ الأجنة (التي تكون عادة في مراحلها المبكرة من التطور، مثل مرحلة الانقسام أو الكيسة الأريمية) في درجات حرارة شديدة الانخفاض، عادة باستخدام النيتروجين السائل (

−196∘C

)، وذلك للحفاظ على حيويتها وقدرتها على النمو في المستقبل. يتم ذلك غالبًا للأجنة الفائضة التي يتم الحصول عليها خلال دورة التلقيح الصناعي الناجحة، والتي لم يتم نقلها إلى الرحم.

لماذا يُعد تجميد الأجنة مهمًا؟

تتجلى أهمية تجميد الأجنة في عدة جوانب رئيسية:

1. زيادة فرص الحمل بعد دورة واحدة من التلقيح الصناعي

في دورة التلقيح الصناعي، يتم غالبًا الحصول على عدد من الأجنة. بدلاً من التخلص من الأجنة الزائدة، يتيح تجميدها إمكانية استخدامها في دورات نقل أجنة مجمدة (Frozen Embryo Transfer - FET) لاحقة. هذا يعني أن الأزواج لا يحتاجون إلى الخضوع لعملية تنشيط المبيض وسحب البويضات مرة أخرى، مما يوفر عليهم العبء الجسدي، العاطفي، والمالي لتكرار الدورة الكاملة. وبالتالي، فإنه يزيد بشكل كبير من الفرصة التراكمية للحمل من دورة واحدة من استرجاع البويضات.

2. تقليل مخاطر متلازمة فرط تحفيز المبيض (OHSS)

في بعض الحالات، قد تكون المرأة معرضة لخطر الإصابة بمتلازمة فرط تحفيز المبيض (OHSS)، وهي حالة صحية خطيرة يمكن أن تحدث نتيجة للاستجابة المفرطة لأدوية تحفيز المبيض. في هذه الحالات، يمكن تجميد جميع الأجنة (ما يُعرف باستراتيجية "التجميد الكلي") ونقلها في دورة لاحقة عندما يكون جسم المرأة قد تعافى تمامًا، مما يقلل بشكل كبير من خطر هذه المتلازمة.

3. إتاحة الوقت لإجراء الفحص الجيني قبل الزرع (PGT)

إذا اختار الأزواج إجراء الفحص الجيني قبل الزرع (PGT) على الأجنة (للكشف عن الاضطرابات الوراثية أو الكروموسومية)، يتم تجميد الأجنة عادةً بعد أخذ الخزعة منها. يتيح ذلك للوقت اللازم لإجراء التحليل الجيني في المختبر قبل نقل الأجنة السليمة والمطابقة وراثيًا إلى الرحم. هذه التقنية تزيد من فرص الحمل الصحي وتقلل من مخاطر الإجهاض أو ولادة طفل مصاب بمرض وراثي.

4. الحفاظ على الخصوبة للأسباب الطبية وغير الطبية

يمكن للأفراد الذين يواجهون علاجات طبية قد تؤثر على خصوبتهم (مثل العلاج الكيميائي أو الإشعاعي للسرطان) تجميد الأجنة قبل بدء العلاج. هذا يمنحهم فرصة الإنجاب في المستقبل بعد الانتهاء من علاجهم.

كما يوفر تجميد الأجنة خيارًا للأزواج الذين يرغبون في تأخير الإنجاب لأسباب غير طبية، مثل التركيز على المسار المهني أو الوصول إلى الاستقرار المادي، مع الحفاظ على أجنة ذات جودة عالية من عمر مبكر.

5. المرونة والتخطيط للمستقبل

يمنح تجميد الأجنة الأزواج مرونة كبيرة في التخطيط لعائلاتهم. يمكنهم اختيار عدد الأطفال الذين يرغبون في إنجابهم وتوقيت حمل كل منهم، باستخدام الأجنة المجمدة على مدار سنوات، دون الحاجة لتكرار إجراءات التلقيح الصناعي الكاملة في كل مرة. هذا يساعد في بناء الأسرة تدريجيًا وفقًا لظروفهم.

عملية تجميد الأجنة

تتضمن عملية تجميد الأجنة عدة خطوات رئيسية:

• تنشيط المبيض وسحب البويضات: كما هو الحال في دورة التلقيح الصناعي العادية.

• الإخصاب وتنمية الأجنة: يتم إخصاب البويضات بالحيوانات المنوية في المختبر، وتترك الأجنة لتنمو لعدة أيام (عادة 5-6 أيام للوصول إلى مرحلة الكيسة الأريمية).

• عملية التجميد: تُستخدم تقنيات حديثة مثل التزجيج (Vitrification)، وهي طريقة تجميد سريعة جدًا تمنع تكون بلورات الثلج التي قد تلحق الضرر بالخلايا. يتم وضع الأجنة في سائل خاص واقٍ من التجميد ثم تُغمر بسرعة في النيتروجين السائل.

• التخزين: تُخزن الأجنة المجمدة في أوعية خاصة مليئة بالنيتروجين السائل في بنوك الأجنة. يمكن أن تبقى الأجنة مجمدة لسنوات عديدة دون فقدان حيويتها.

• الإذابة والنقل: عندما يحين الوقت، يتم إذابة الأجنة بعناية ونقلها إلى رحم المرأة في دورة نقل أجنة مجمدة.

الخلاصة

لقد أثبت تجميد الأجنة أنه تقنية فعالة وآمنة، تقدم حلولًا مبتكرة للعديد من تحديات الخصوبة. إنه لا يقتصر على زيادة معدلات نجاح التلقيح الصناعي فحسب، بل يمنح الأزواج أيضًا القدرة على التحكم في رحلتهم الإنجابية، ويفتح آفاقًا جديدة للأمل وتحقيق حلم الأبوة والأمومة. إذا كنت تفكر في التلقيح الصناعي أو تواجه مشكلات في الخصوبة، فإن مناقشة خيارات تجميد الأجنة مع أخصائي الخصوبة ستكون خطوة أساسية نحو فهم جميع الاحتمالات المتاحة لك.