عملية الحقن المجهري: دليلك المفصل خطوة بخطوة
تُعد عملية الحقن المجهري (Intracytoplasmic Sperm Injection - ICSI) ثورة حقيقية في عالم علاج العقم، حيث فتحت أبواب الأمل أمام العديد من الأزواج لتحقيق حلم الإنجاب. هي تقنية متقدمة من تقنيات الإخصاب المساعد، وتُستخدم بشكل خاص عندما تكون هناك مشاكل شديدة في الحيوانات المنوية للرجل، أو في حالات فشل الإخصاب بالطرق التقليدية. دعنا نتعمق في تفاصيل هذه العملية خطوة بخطوة.
ما هي عملية الحقن المجهري؟
ببساطة، عملية الحقن المجهري هي إجراء يتم فيه حقن حيوان منوي واحد بشكل مباشر داخل بويضة واحدة باستخدام إبرة دقيقة جدًا تحت المجهر. تهدف هذه العملية إلى تجاوز العوائق التي تمنع الحيوان المنوي من اختراق البويضة وإخصابها بشكل طبيعي.
خطوات عملية الحقن المجهري بالتفصيل
تتكون عملية الحقن المجهري من عدة مراحل متكاملة، تتطلب دقة عالية وتنسيقًا بين الفريق الطبي:
1. تحضير الزوجين والفحوصات الأولية
تبدأ الرحلة بفحص شامل للزوجين لتحديد سبب العقم. يشمل ذلك:
تحاليل الدم والهرمونات للمرأة: لتقييم مخزون المبيض والاستجابة المحتملة لتنشيط المبيض.
تحليل السائل المنوي للرجل: لتقييم جودة الحيوانات المنوية (العدد، الحركة، الشكل).
فحوصات أخرى: مثل الموجات فوق الصوتية لتقييم الرحم والمبايض لدى المرأة.
بناءً على النتائج، يضع الطبيب خطة علاج فردية تناسب كل زوجين.
2. تنشيط المبيض (تحفيز الإباضة)
هذه هي الخطوة الأولى للمرأة في عملية الحقن المجهري. الهدف هو الحصول على عدد كافٍ من البويضات الناضجة لزيادة فرص الإخصاب ونجاح الدورة. يتم ذلك عن طريق:
الأدوية الهرمونية: تُعطى حقن يومية من الهرمونات (عادةً هرمونات الغدد التناسلية) لتحفيز المبايض على إنتاج عدة بصيلات بدلاً من واحدة فقط.
المراقبة المستمرة: يتم متابعة نمو البصيلات وحجمها عن طريق الموجات فوق الصوتية المنتظمة واختبارات الدم لقياس مستويات الهرمونات (خاصة الإستراديول) لضبط جرعات الأدوية.
الحقنة التفجيرية: عندما تصل البصيلات إلى الحجم المناسب، تُعطى حقنة من هرمون hCG (الهرمون الموجهة للغدد التناسلية المشيمية البشرية)، والتي تُعرف بالحقنة التفجيرية. تساعد هذه الحقنة على نضوج البويضات بشكل نهائي وتوقيت عملية سحب البويضات.
3. سحب البويضات (OVUM PICK-UP - OPU)
بعد حوالي 34-36 ساعة من الحقنة التفجيرية، يتم إجراء عملية سحب البويضات.
الإجراء: يتم تحت تأثير التخدير الخفيف أو الموضعي لراحة المريضة.
الطريقة: يقوم الطبيب بإدخال إبرة رفيعة جدًا عبر المهبل، تحت توجيه الموجات فوق الصوتية، لسحب السائل من البصيلات في المبيض. يحتوي هذا السائل على البويضات.
المدة: تستغرق العملية عادةً من 15 إلى 30 دقيقة.
4. تحضير الحيوانات المنوية
في نفس يوم سحب البويضات، يتم جمع عينة من السائل المنوي من الرجل.
المعالجة: يتم معالجة العينة في المختبر لفصل الحيوانات المنوية السليمة والنشطة عن السائل المنوي والمواد الأخرى.
الاستخلاص الجراحي (إذا لزم الأمر): في حالات انعدام الحيوانات المنوية في السائل المنوي، يتم استخلاص الحيوانات المنوية جراحيًا من الخصية أو البربخ.
5. عملية الحقن المجهري الفعلية (الإخصاب)
هذه هي المرحلة الحاسمة التي تتم في مختبر الأجنة:
تحضير البويضات: يتم تقشير البويضات التي تم سحبها لإزالة الخلايا المحيطة بها وتحديد البويضات الناضجة القابلة للإخصاب.
اختيار الحيوان المنوي: تحت المجهر عالي التكبير، يختار أخصائي الأجنة حيوانًا منويًا واحدًا سليمًا ونشطًا.
الحقن: يتم تثبيت البويضة بإحكام باستخدام ماصة تثبيت، ثم يتم حقن الحيوان المنوي المختار مباشرة داخل سيتوبلازم البويضة باستخدام إبرة رفيعة جدًا (micro-needle).
مراقبة الإخصاب: بعد الحقن، توضع البويضات في حاضنة خاصة. يتم فحصها في اليوم التالي (بعد 16-18 ساعة) للتأكد من حدوث الإخصاب (ظهور نواتين ذكري وأنثوي).
6. زراعة الأجنة (تنمية الأجنة)
تُترك البويضات المخصبة (التي أصبحت الآن أجنة) لتنمو في حاضنات خاصة توفر بيئة مشابهة لبيئة الرحم.
المتابعة: يتم متابعة نمو الأجنة يوميًا لمدة 3 إلى 5 أيام. خلال هذه الفترة، تنقسم الخلايا وتتطور إلى مراحل مختلفة (مثل مرحلة 2، 4، 8 خلايا، ثم التوتية، وأخيرًا الكيسة الأريمية).
اختيار الأجنة: يختار أخصائي الأجنة أفضل الأجنة جودة للزرع، بناءً على معدل انقسامها وشكلها.
7. إرجاع الأجنة (Embryo Transfer)
تُعد هذه الخطوة الأخيرة في عملية الحقن المجهري والتي تهدف إلى نقل الأجنة إلى الرحم:
التوقيت: يتم عادةً بعد 3 أو 5 أيام من سحب البويضات والإخصاب.
الإجراء: لا تتطلب هذه العملية تخديرًا، وهي غير مؤلمة في معظم الحالات. يتم إدخال قسطرة رفيعة ومرنة عبر عنق الرحم إلى داخل الرحم، ثم يتم حقن الأجنة بلطف.
عدد الأجنة: يتم تحديد عدد الأجنة المراد إرجاعها بناءً على عمر المرأة، جودة الأجنة، وتاريخها الطبي، عادةً ما يتم إرجاع جنين أو اثنين لتقليل خطر الحمل المتعدد.
8. مرحلة ما بعد إرجاع الأجنة ومتابعة الحمل
بعد إرجاع الأجنة، تُنصح المرأة بالراحة النسبية وتناول بعض الأدوية الداعمة (مثل البروجسترون) لدعم بطانة الرحم وزيادة فرص انغراس الأجنة.
اختبار الحمل: يتم إجراء اختبار الحمل (تحليل الدم لمستوى هرمون hCG) بعد حوالي 10-14 يومًا من إرجاع الأجنة لتأكيد الحمل.
المتابعة: إذا كانت نتيجة الاختبار إيجابية، تستمر المتابعة مع الطبيب لمتابعة تطور الحمل.
لمن تناسب عملية الحقن المجهري؟
عملية الحقن المجهري مناسبة بشكل خاص للحالات التالية:
الرجال الذين يعانون من مشاكل شديدة في عدد، حركة، أو شكل الحيوانات المنوية.
حالات انسداد القنوات الدافقة أو انعدام الحيوانات المنوية التي تتطلب استخلاص الحيوانات المنوية جراحيًا.
فشل الإخصاب في دورات أطفال الأنابيب السابقة (IVF) بالطرق التقليدية.
وجود أجسام مضادة للحيوانات المنوية.
عند استخدام البويضات أو الحيوانات المنوية المجمدة.
في حالات التشخيص الوراثي قبل الزرع (PGD/PGS).
بعض حالات العقم غير المفسر، أو عندما تفشل طرق العلاج الأقل تعقيدًا.
Comments
Post a Comment